لعبة الحلزون
تريده أن يكون غير أبيه الجزار!
ولأجلها أحب الدراسة والمدرسة مع أنه
كان يحب الجلوس قرب النهر أو اللعب مع
أقرانه لعبتهم المفضلة التي ابتكروها ذات مساء وأسموها الحلزونية؛ كانوا يلتقون في
الغابة المجاورة للطريق السيار، يتسابقون عراةً والواصل أخيرا، عليه أن يضع على ساقه حلزونا صائما، ويشرع يغني له كي يستحثه
على إخراج جسده الرخو من القوقعة الموصدة عليه ويزحف بطيئا ببطنه اللزجة على الساق، يصعد عليها منزلقا ليلامس الذي بين الفخذين. ولقد كان سعيد رغم قوته وجسده
الرياضي يتعمد دوما أن يخسر في السباق.
صار يدرب حلزونه خفية؛ يحك
قطعة شمام صغيرة، أو حبة فراولة على عريشه النابت وما أن يشتم الحلزون الرائحة حتى
يزحف، يصعد، يلف وينزلق دابا على العريش! وبعد الهزيمة كان الأولاد يلتفون حوله
مصفقين، يأخذ العلبة الصغيرة المثقوب غطاؤها، يخرج الحلزون، يضعه على ساقه وبصوته
الرخيم يردد: " افتحي عويناتَك ولاَّ ناكلْ لِيكْ وليداتَكْ... افتحي
عويناتك، ولّا ناكُل وليداتك... وما إن يسمع الحلزون اللحن الرتيب حتى
يخرج أقرانه، يفتح عيونه، ويزحف صاعدا، كأن يلهث مأخوذا بالرائحة جارا قوقعته
وصولا إلى شيئه الصغير، فيرتعد "سعيد" مغمضا عينيه. وبعد الرجفة يرمي حلزونه أرضا، يدوسه بصندله ويعثر على
غيره، يضعه في العلبة، يطعمه في انتظار الهزيمة الموالية.
لأجل أمه أحب الدراسة، مع
أنه كان يحب المسلخ كثيرا! ومع كل ذا الحب والحماسة كان بمجرد
ما يخطو إلى داخله وتزكمه رائحة البهائم ويرى الدم وكل تلك القرون الملتوية
والقوائم المبتورة مرمية على الأرض حتى يغمى عليه، يسقط بلا حراك شاحب اللون. وبعد
تكرار حالات الإغماء تحاشاه والده، نبذه فانكب على التحصيل منزويا في غرفته مع
حلزونه يطعمه أوراق الشجر والفواكه لينطلق إلى الغابة، يرمي ملابسه ويركض ليخسر ويراقب بعدها حلزونه يتسلق صعودا إليه، يرتعش ويدوسه. ثم يعود ليفتح كتابه ومع
نهاية كل صفحة كان يسمع صوتا يهمس له: أيها الحلزون!
في الأربعين من العمر ألف التجول ليلا في الطرق
المعتمة، وكان كلما مشى إلا أحس نفسا ثقيلا خلفه، وكلما التفت إلا رأى جسدا رخوا بمجساته يتبعه. وفي ليلة قمرية، تراءى
له وجه أبيه الذي لم يزره منذ واروه التراب. مد له يدا، مشى وإياه مارا على غابته
وحلزونياته حتى وصل به المجزرة، ولجها وإياه وهمس في أذنه: "عليك بك...استمسك
بك وأوثق!" وغاب، فأحس ليلتها بأنه خرج من قوقعته، تولد منها صلبا كأبيه.