كناري ناني

أدلف حديقتي،

أعثر على "نَاني" تبكي كناريَّها الذي مات، فأواسيها قائلة: " نا، نو، ني" وأنا أروم قول: "سآتي لك بغيره". تفهمني وتكف عن البكاء ثم ترسم على كفي جناحا وريحا.

 أغادر حديقتي، التي أعرج إليها كل صباح، لألتحق بالمدرسة وهناك، أكسر قلم رفيقتي، عن غير قصد، وأدلق الحبر على كراستها. يلومني المعلم على فعلتي طالبا مني الاعتذار. فأبادره قائلة: "نانوني..." يحمر وجهه غضبا، يلوّح بالعصا ويأمرني بالذهاب إلى ركن العقاب. أجرجر جسدي باكية وأواجه الحائط رافعة قدمي اليمنى. ونانوني تسري في عروقي سمّا، تتحرك على لساني حجارة مدببة تجرحه وتدميه ثم تتدحرج منه إلى قلبي حيث تَكِنُّ هنهية، ثم تغادره تاركة محلها ثقبا. تواصل التدحرج لتبلغ ساقي المتصلبة ومنها قرت في قدمي. وهكذا، بتّ كلما مشيت إلا وشعرت بها تخزني؛ تذكرني يالخيبة.

 لقد عرفت مبكرا، بالخيبة، السبب الذي جعل"زوزو" يربط طرف الحبل إلى خصره لمّا عزم على اصطياد السمكة الكبيرة؛ إذ كان جسده طعما، كان مأدبة. وها جسدي مثله مأدبة؛ يجلس زوج خالتي إزائي، وبين الفينة والأخرى كان يأخذ يدي الصغيرة بين يديه ويشتمها طويلا، ثم يلثمها كثيرا وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة. يسألني، بعدها، بصوت متهدج عن نوع الصابون الذي أغتسل به، وكأنه لا يعلم! وبانتهائه من يدي كان يأمرني أن أتعرى، فأستعطفه بأمه وصابونها، أستعطفه حتى تطير فقاعات الصابون من يدي في الهواء، تطير مع كلماتي تلاعب الريح، ثم تفرقع. فينتفض جسدي، تقشعر روحي وأنا أنزع عني الذي يسترني وأمشي أمامه بالتؤدة والغنج. وأبكي بالحرقة كلما تمايلت أو قرفصت؛ إذ أرى كناري ناني الذي قتله، حين غطسه في الماء حتى طارت روحه فقاعة ملونة، أراها أمامي تفرقع وأنبس: نانوني.